فصل: الصلة الثانية:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: المدخل لدراسة القرآن الكريم



.الصلة الثانية:

النهاري والليلي: أمثلة النهاري كثيرة جدّا قال ابن حبيب: نزل أكثر القرآن نهارا، أما الليلي فمن أمثلته:
1- قوله تعالى: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمَواتِ وَالْأَرْضِ وَاخْتِلافِ اللَّيْلِ وَالنَّهارِ لَآياتٍ لِأُولِي الْأَلْبابِ} [آل عمران: 190] فقد أخرج ابن حبان في صحيحه وابن المنذر وابن مردويه وابن أبي الدنيا في كتاب التفكر عن عائشة أن بلالا أتى النبي صلى الله عليه وسلم يؤذنه لصلاة الصبح، فوجده يبكي، فقال: يا رسول الله ما يبكيك قال: «وما يمنعني أن أبكي وقد أنزل عليّ هذه الليلة: {إِنَّ فِي خَلْقِ السَّمواتِ وَالْأَرْضِ}» الآية، ثم قال: «ويل لمن قرأها ولم يتفكر».
2- آية الثلاثة الذين خلفوا: وهي {وَعَلَى الثَّلاثَةِ الَّذِينَ خُلِّفُوا} [التوبة: 118] الآية، ففي الصحيحين من حديث كعب بن مالك، فأنزل الله توبتنا حين بقي الثلث الأخير من الليل، والثلاثة: كعب بن مالك، وهلال بن أمية، ومرارة بن الربيع.
3- سورة مريم؛ روى الطبري عن أبي مريم الغسالي، قال: أتيت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقلت: ولدت لي الليلة جارية، فقال: «والليلة أنزلت عليّ سورة مريم، سمّها مريم».
4- سورة الفتح؛ ففي الحديث الصحيح أن ذلك كان ليلا.
5- آية التيمم التي في المائدة؛ ففي الصحيح عن عائشة وحضرت الصبح فالتمس الماء، فلم يوجد؛ فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} [المائدة: 6].
6- قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الْأَمْرِ شَيْءٌ} [آل عمران: 128] الآية؛ ففي الصحيح أنها نزلت والنبي في الركعة الأخيرة من صلاة الصبح حين أراد أن يقنت؛ يدعو على أبي سفيان ومن ذكر معه.

.الصلة الثالثة:

الصيفي والشتائي: مما لا شك فيه أن القرآن نزلت منه آي كثيرة في الصيف، وآي كثيرة في الشتاء وقد أحصى أحد العلماء بعضا من ذلك فمن أمثلة الصيفي:
1- قال الواحدي: أنزل الله في الكلالة آيتين؛ إحداهما في الشتاء، وهي التي في أول النساء: {وَإِنْ كانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء: 12] إلخ، والأخرى في الصيف وهي التي في آخرها: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء: 176] الآية، وفي صحيح مسلم عن عمر قال: ما راجعت رسول الله صلى الله عليه وسلم في شيء ما راجعته في الكلالة، وما أغلظ في شيء ما أغلظ لي فيه، حتى طعن بإصبعه في صدري وقال: يا عمر ألا تكفيك آية الصيف التي في آخر النساء وقد كان ذلك في سفر حجة الوداع، فيعد من الصيفي ما نزل فيها كأول المائدة و{الْيَوْمَ أَكْمَلْتُ لَكُمْ دِينَكُمْ}.
2- ومن الصيفي الآيات النازلة في غزوة تبوك؛ فقد كانت في شدة الحر كما دل عليه القرآن والسنة.
وذلك مثل لَوْ كانَ عَرَضاً قَرِيباً وَسَفَراً قاصِداً لَاتَّبَعُوكَ الآية، ومثل آية: {وَقالُوا لا تَنْفِرُوا فِي الْحَرِّ قُلْ نارُ جَهَنَّمَ أَشَدُّ حَرًّا لَوْ كانُوا يَفْقَهُونَ} [التوبة: 81] وآية: {وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ ائْذَنْ لِي وَلا تَفْتِنِّي أَلا فِي الْفِتْنَةِ سَقَطُوا} [التوبة: 49] الآية.
ومن أمثلة الشتائي:
1- قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ جَاءُوا بِالْإِفْكِ} إلى قوله: {وَرِزْقٌ كَرِيمٌ} ففي الصحيح عن عائشة أنها نزلت في يوم شات.
2- الآيات التي نزلت في غزوة الخندق في سورة الأحزاب، فقد كانت في شدة البرد كما يدل على ذلك القرآن، وما ذكر في المغازي، ففي حديث حذيفة تفرق الناس عن رسول الله صلى الله عليه وسلم ليلة الأحزاب إلا اثنى عشر رجلا فأتاني رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: «قم فانطلق إلى معسكر الأحزاب»، قلت: يا رسول الله والذي بعثك بالحق ما قمت لك إلا حياء من البرد... الحديث، وفيه فأنزل الله: {يا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ جاءَتْكُمْ جُنُودٌ فَأَرْسَلْنا عَلَيْهِمْ رِيحاً وَجُنُوداً لَمْ تَرَوْها} [الأحزاب: 9 وما بعدها] إلخ الآيات، أخرجه البيهقي في الدلائل.

.الصلة الرابعة:

ما تأخر حكمه عن نزوله وما تأخر نزوله عن حكمه.
فمن أمثلة ما تأخر حكمه عن نزوله:
1- قوله تعالى: {قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى} [الأعلى 14- 15] فقد روى البيهقي وغيره عن ابن عمر أنها نزلت في زكاة الفطر، وقد استشكل ذلك؛ لأن السورة مكية ولم يكن بمكة عيد مشروع ولا زكاة ولا صوم، وقد أجاب البغوي بأنه يجوز أن يكون النزول سابقا على الحكم وهو جواب حسن.
2- قوله تعالى: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} [القمر: 45] فقد نزلت بمكة قطعا ولم يكن شرع الجهاد، وقد استشكل عمر ذلك ثم تبين له أن المراد بالجمع جمع بدر، فقد روي عنه أنه قال حين نزلت الآية: أي جمع فلما كان يوم بدر وانهزمت قريش نظرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في آثارهم مصلتا بالسيف يقول: {سَيُهْزَمُ الْجَمْعُ وَيُوَلُّونَ الدُّبُرَ} فكانت ليوم بدر، أخرجه الطبراني في الأوسط فيكون من الإشارات والنبوءات الغيبية التي أظهرت الأيام صدقها، وكانت من دلائل النبوة.
3- قوله تعالى: {قُلْ جاءَ الْحَقُّ وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} [سبأ: 49] أخرج ابن أبي حاتم عن ابن مسعود أن المراد بالحق السيف، يعني الجهاد، واستشكل بأن الآية مكية متقدمة على فرض القتال، والجواب أن هذا مما تقدم نزوله على حكمه، ويؤيد تفسير ابن مسعود ما أخرجه الشيخان من حديثه أيضا، قال: دخل النبي صلى الله عليه وسلم مكة يوم الفتح وحول الكعبة ثلاثمائة وستون نصبا فجعل يطعنها بعود كان في يده ويقول: {جَاءَ الْحَقُّ وَزَهَقَ الْباطِلُ إِنَّ الْباطِلَ كانَ زَهُوقاً}، {وَما يُبْدِئُ الْباطِلُ وَما يُعِيدُ} أقول: والمتبادر من الحق أنه الأمر الثابت، فتفسيره بالجهاد غير قوي، ويكون المراد بالحق الدين الحق، أو كلمة التوحيد.
4- قوله تعالى: {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصادِهِ} [الأنعام: 141] فالمراد بها الزكاة وقوله تعالى في سورة المزمل: {وَأَقِيمُوا الصَّلاةَ وَآتُوا الزَّكاةَ} [المزمل: 20] فهذا مما تأخر حكمه عن نزوله، إذ الزكاة إنما شرعت بالمدينة، أقول: وهذا على رأي بعض العلماء، وعلى أن السورتين كلتيهما مكيتان، ولكن بعض العلماء يرى أن آية: {إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ} الآية مدنية وأنها ناسخة لوجوب قيام الليل في صدر السورة.
ويرى فريق من العلماء أن فرض الزكاة كان بمكة، أما تفصيل أحكامها وأنصبتها، وبيان مصارفها فكان بالمدينة، وعلى هذا فلا تكون الآيتان من هذا القبيل، وأما الحكمة في تقدم النزول عن الحكم فقد أشار إليها ابن الحصار بقوله: قد ذكر الله الزكاة في السور المكيات كثيرا تصريحا وتعريضا بأن الله سينجز وعده لرسوله ويقيم دينه، ويظهره حتى يفرض الصلاة والزكاة وسائر الشرائع ولم تؤخذ الزكاة إلا بالمدينة بلا خلاف، أقول: لعل مراده بالأخذ التنفيذ العملي؛ فإن ذلك لم يكن إلا بالمدينة قطعا، أما أصل المشروعية فللعلماء فيها خلاف كما ذكرت، وأيضا وليكون ذلك من أعلام صدقه، ودلائل نبوته صلى الله عليه وسلم.
ومن أمثلة ما تأخر نزوله عن حكمه:
1- آية الوضوء؛ ففي صحيح البخاري عن عائشة قالت: سقطت قلادة لي بالبيداء ونحن داخلون المدينة، فأناخ رسول الله صلى الله عليه وسلم ونزل فثنى رأسه في حجري راقدا، وأقبل أبو بكر فلكزني لكزة شديدة، وقال: حبست الناس في قلادة، ثم إن النبي صلى الله عليه وسلم استيقظ وحضرت الصبح فالتمس الماء فلم يوجد، فنزلت: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ} إلى قوله: {لَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ} فالآية مدنية إجماعا، وفرض الوضوء كان بمكة مع فرض الصلاة؛ قال ابن عبد البر: معلوم عند جميع أهل المغازي أنه صلى الله عليه وسلم لم يصلّ منذ فرضت عليه الصلاة إلا بوضوء، ولا يدفع ذلك إلا جاهل أو معاند، قال: والحكمة في نزول آية الوضوء مع تقدم العمل به ليكون فرضه متلوا بالتنزيل، وجوز غيره أن يكون أول الآية نزل مقدما مع فرض الوضوء، ثم نزل بقيتها، وهو ذكر التيمم في هذه القصة، ويرد هذا الاحتمال أن الآية مدنية بالإجماع.
2- آية الجمعة فإنها مدنية، والجمعة فرضت بمكة، وأما ما قاله ابن الغرس: إن إقامة الجمعة لم تكن بمكة قط فيرده ما أخرجه ابن ماجه عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، قال: كنت قائد أبي حين ذهب بصره، فكنت إذا خرجت به إلى الجمعة فسمع الآذان يستغفر لأبي أمامة أسعد بن زرارة فقلت: يا أبتاه أرأيت صلاتك على أسعد بن زرارة كلما سمعت النداء بالجمعة لم هذا قال: أي بني كان أول من صلى بنا الجمعة قبل مقدم رسول الله صلى الله عليه وسلم من مكة؛ أقول: وهذا إنما يصلح للرد إن أراد ابن الغرس بقوله هنا إنها لم تفرض قبل الهجرة، أما إن أراد أنها لم تؤد بجماعة بمكة فلا يصلح ردّا عليه.

.الصلة الخامسة:

ما حمل من مكة إلى المدينة: فمن أمثلة ذلك سورة سبح، فقد أخرج البخاري عن البراء بن عازب أنه قال: أول من قدم علينا من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم مصعب بن عمير وابن أم مكتوم، فجعلا يقرءاننا القرآن ثم جاء عمار وبلال وسعد ثم جاء عمر بن الخطاب في عشرين ثم جاء النبي صلى الله عليه وسلم، فما رأيت أهل المدينة فرحوا بشيء فرحهم به حتى رأيت الولائد والصبيان يقولون هذا رسول الله صلى الله عليه وسلم قد جاء، فما جاء حتى قرأت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الْأَعْلَى} في سور مثلها من المفصل.
ما حمل من المدينة إلى مكة: من ذلك قوله تعالى: {يَسْئَلُونَكَ عَنِ الشَّهْرِ الْحَرامِ قِتالٍ فِيهِ} [البقرة: 217] الآية، وهذا إنما يتجه على أن السائل هم المشركون، فقد روي أن وفدا منهم قدموا على النبي صلى الله عليه وسلم بعد سرية عبد الله ابن جحش وقتلهم ابن الحضرمي من المشركين، وكان ذلك في آخر يوم من جمادى الآخرة، وأرجف المشركون، وقالوا: إنهم قتلوه في الشهر الحرام أي رجب، فأنزل الله الآية دفاعا عن السرية، واعتذارا عما بدر منها، وأنه شيء قليل بجانب ما يصدر عن المشركين من إجرام في حق الله ودينه وبيته والمسلمين فيكون الوفد لما قرئت عليه حملها معه، أو أرسل النبي صلى الله عليه وسلم من حملها إليهم في مكة.
ومن ذلك أيضا صدر سورة {براءة}؛ فقد أرسل النبي صلى الله عليه وسلم به عليّا ليقرأه على الناس في الموسم سنة تسع، كما في الصحيح، ومن ذلك آية الربا في سورة البقرة: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَذَرُوا ما بَقِيَ مِنَ الرِّبا إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ}.
فقد اختلف بنو عمرو بن عمير من ثقيف مع بني المغيرة بن عبد الله، ورفعوا الأمر إلى أمير مكة عتاب بن أسيد فرفع الأمر إلى رسول الله فنزلت فأرسل بها النبي إلى عتاب بن أسيد.
ما حمل من مكة إلى الحبشة: ومثاله كسورة مريم فقد صح أن جعفر بن أبي طالب قرأها على النجاشي لما ذهب رسولا قريش إلى النجاشي كي يرد المسلمين الذين هاجروا إلى الحبشة إلى مكة؛ فأبى حتى يسمع كلامهم، فتكلم جعفر بن أبي طالب فأحسن وأجاد، فقال له النجاشي، هل معك من شيء مما جاء به عن الله تقرؤه عليّ فقال جعفر: نعم، وقرأ عليه سورة مريم، فلما سمع النجاشيّ السورة قال: إن هذا والذي جاء به عيسى ليخرج من مشكاة واحدة، وقال البطارقة: هذه كلمات تصدر من النبع الذي صدرت منه كلمات سيدنا يسوع المسيح.
ما حمل من المدينة إلى الروم: ومثاله قوله تعالى: {قُلْ يا أَهْلَ الْكِتابِ تَعالَوْا إِلى كَلِمَةٍ سَواءٍ بَيْنَنا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئاً وَلا يَتَّخِذَ بَعْضُنا بَعْضاً أَرْباباً مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ} فقد صح أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كتبها في الكتاب الذي بعث به إلى هرقل عظيم الروم والمقوقس عظيم مصر.